الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
و«الأوّاه»: كثير التأوّه من خوف اللّه، وقيل: كثير الدعاء.{حليم}: كان عليه السلام يحتمل ممن آذاه ولا يتسرع إلى مكافأته.77- {ذَرْعًا}: أي: وسعا، وذرع النّاقة: خطوها، ومذارعها: قوائمها.{يَوْمٌ عَصِيبٌ}: عصيب بالشر. عصب يومنا يعصب عصابة.78- {يُهْرَعُونَ}: يسرعون من الأفعال التي يرفع فيها الفعل بالفاعل، ومثله: أولع وأرعد وزهي.{وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ}: ألفوا الفاحشة فجاهروا بها.{هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}: لو تزوجتم بهن، أو أراد نساء أمّته.وكلّ نبيّ أبو أمّته وأزواجه أمّهاتهم.79- {ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ}: من حاجة، فجعلوا تناول ما لا حاجة فيه كتناول ما لا حق فيه.80- {رُكْنٍ شَدِيدٍ}: عشيرة منيعة.81- {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ}: نصف الليل، كأنه قطع بنصفين.{وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ}: أي: إلى ماله ومتاعه لئلا يفترهم عن الخروج، وإلا ففي لفتة النّظر عبرة.82- {سِجِّيلٍ}: حجارة صلبة، قيل: إنها معربة «سنك» و«كل»، بل هو «فعيل» مثل السّجل في الإرسال.والسّجل: الدّلو، وقيل: من أسجلته: أرسلته من السّجل والإرسال.{مَنْضُودٍ}: نضد: جمع.83- {مُسَوَّمَةً}: معلمة باسم من يرمى به.{عِنْدَ رَبِّكَ}: في خزانته التي لا يملكها غيره، رجم بهذه الحجارة من غاب عن المؤتفكات.وقيل: رجموا أولا ثم قلبت المدائن.وفي الحديث: «أن جبريل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى ثم حرجم بعضها على بعض، ثم أتبع شذّاذ القوم صخرا من سجّيل».يقال: حرجم الطعام: أكله بعنف.وعن زيد بن أسلم: أن السّجيل السماء الدنيا، والسّجين الأرض السفلى.91- {لَرَجَمْناكَ}: لرميناك بالحجارة، أو لشتمناك.92- {وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا}: منسيا، كقوله: {وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيرًا} أي ذليلا هيّنا كالشيء المنسي، أو نبذتم أمره وراء ظهوركم.. ظهرت به: أعرضت عنه وولّيته ظهري.93- {اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ}: تهديد بصيغة الأمر، أي: كأنكم أمرتم بأن تكونوا كذلك كافرين، والمكانة: التمكن من العمل.98- {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} يتقدمهم أو يمشي على قدمه.99- {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}: بئس العطية النار بعد الغرق.والرّفد: العون على الأمر، وارتفدت منه: أصبت من كسبه.100- {قائِمٌ وَحَصِيدٌ}: عامر وخراب، أو قائم على بنائه وإن خلا من أهله.{وَحَصِيدٌ}: مطموس العين والأثر.والتتبيب والتباب: الهلاك، وقيل: الخسران.و«الزّفير» الصّوت في الحلق، والشّهيق في الصدر، فالشّهيق أمدّ من شاهق الجبل، والزّفير أنكر من «الزّفر» وهو الحمل العظيم.107- {إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ}: أي: من أهل التوحيد حتى تلحقهم رحمة اللّه أو ما شاء ربك من الزيادة عليها، ويستدل بهذا في قوله: لك عليّ ألف إلّا ألفين على أنه إقرار بثلاثة آلاف، لأنه استثناء زائد من ناقص، كأنّه قال: لك عليّ ألف سوى ألفين.108- {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا}: من قرأ: سُعِدُوا فعلى حذف الزيادة من أسعدوا، ك مجنون ومحبوب، والفعل أجنّه وأحبّه.{غَيْرَ مَجْذُوذٍ}: غير مقطوع.109- {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ}: لا تشك في كفرهم.111- {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}: بالتشديد بمعنى: إلّا، كقوله: {لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ} لأن لم ولا للنفي فضمّت إلى إحداهما ما وإلى الأخرى إن وهما أيضا للنفي، فكان سواء، وكان لممّا.قال الفراء: أصله لمن ما، فأدغم النون فصار ممّا فخفف وأدغم الميم المفتوحة ليوفينهم وما بمعنى من فحذفت إحدى الميمات لكثرتها.أو هي من لممت الشّيء: جمعته، ولم يصرف مثل: شتى.وأمّا لما بالتخفيف فما بمعنى من، كقوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ}، أو هو لام القسم دخلت على ما التي للتوكيد.زلف اللّيل: ساعاته.116- {فَلَوْلا كانَ}: فهلّا كان، تعجيب وتوبيخ.{إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا}: استثناء منقطع لأنه إيجاب لم يتقدمه نفي.117- {لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ}: أي: بظلم منه، تعالى عنه.118- {وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ}: أي: في الآراء والديانات.119- {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}: من أهل الحق، أو مختلفين في الأحوال ليأتلفوا بالاختلاف إلا من رحم ربك بالرضا والقناعة.{وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}: للاختلاف، أو للرحمة، ولم يؤنث على معنى المصدر، أي: خلقهم ليرحمهم.120- {وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ}: في هذه السورة،............121- {اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ}: على ما أنتم عليه، أو على شاكلتكم التي تمكنتم عليها.123- {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}: قال عليه السلام: «من أحبّ أن يكون أقوى النّاس فليتوكل على اللّه». اهـ.
.قال ملا حويش: تفسير سورة هود:عدد 2- 52- 11نزلت بمكة بعد سورة يونس عدا آيتي 13/ 14 وآية 114 فإنها نزلت بالمدينة، وهي مئة وثلاث وعشرون آية، وألف وستمائة كلمة وتسعة آلاف وخمسمائة حرفا، وقد بينا الآيات بما بدئت به أول سورة يونس المارة، وختمت بما ختمت به سورة النمل المارة.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِقال تعالى: {الر} اسم للسورة وللقرآن وإشارة لأسماء اللّه الحسنى وصفاته أي بعضها، وقال بعض المفسرين معناه أنا اللّه أرى، وقد تقدم ما فيه من البحث الوافي أول سورة الأعراف والسور المصدرة بالحروف المنقطعة المارة وفي السورة قبلها وقولنا اللّه أعلم بمراده بما فيها أحسن ما قيل في معناها لأنها عبارة عن رموز بين اللّه ورسوله لا يعلمهما غيرهما على الحقيقة، وهكذا حكم الآيات المتشابهات في هذا القرآن العظيم إذ يوكل معناها إلى اللّه، قال الإمام الرياني الشيخ نعمة اللّه بن محمود النخجواني في تفسيره الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية في تفسير هذه اللفظة: أيها الإنسان الأحق الأليق لإعلاء لوامع أنوار الإلهية وارتفاع رايات رموز أسرار الربوبية بين الأنام بالبيان والتبيان هذا {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} إحكاما مبرما لا تنسخ ولا يطرأ عليها تبديل أو تعديل إذ لا كتاب بعده، وقد نسخت آياته أكثر أحكام الكتب القديمة وعدلتها إلى أحسن نظما وأخف عبئا وأعظم أجرا، وإني لأعجب ممن يقرأ هذه الآية ويقول بالنسخ إذ ما بعد الاحكام إلا التسليم بجميع ما جاء فيه.واعلم أن الر تقرا كما هو الأصل بتفخيم الراء وهكذا في كل راء مفتوحة أو كان ما قبلها مفتوحا ولا عبرة بالحرف الساكن بينهما أي بينهما وما قبلها لأنه حاجز غير حصين {ثُمَّ فُصِّلَتْ} تفصيلا بديعا ونظمت تنظيما رصينا فبيّنت الحلال من الحرام والحق من الباطل أكمل بيان وأتم تبيان وأوضحت القصص والأخبار أحسن إيضاح، وهذا الإحكام والتفصيل واقع ومنزل {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 1} بأفعاله عليهم بأقواله يضع الأشياء مواضعها بما يصلح أحوال عباده شاهد لما يقع منهم وقد أمركم أيها الناس {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ}وحده لا شيء ولا أحد أبدا، وأن هنا مفسرة على ما جرينا عليه وهو أحسن من جعلها على تقدير اللام كما مشى عليه بعض المفسرين، والمعنى على الأول أن اللّه الذي أنزل هذا الكتاب وأحكم آياته وفصلها أمركم أن لا تعبدوا غيره وذلك لما في التفصيل من معنى القول دون حروفه، وعلى الثاني تكون مصدرية وتقدر اللام معها تعليلا وعليها يكون المعنى هذا كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا اللّه، ويجوز أن تكون هذه الجملة مبتدأة للإغراء على التوحيد أي الأمر بالتبري عن عبادة غير اللّه تعالى أي الزموا التوحيد واتركوا عبادة الغير وارجعوا إلى اللّه ربي وربكم: {إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ} أي يقول اللّه تعالى يا محمد قل لقومك إنني أيها العصاة {نَذِيرٌ} لكم من عقاب اللّه تعالى: {وَبَشِيرٌ} لكم أيها الطائعون بثوابه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} مما اقترفتموه من الذنوب واخترقتموه من العيوب {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} بعدها عما سلف منكم حال حياتكم من كل ما يغضب اللّه فإذا فعلتم ذلك فإن اللّه تعالى: {يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا} في هذه الدنيا بسعة الرزق والعافية والعزّ {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} عنده، واعلم أن ما جاء في الحديث الشريف: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر لا يرد على هذه الآية لأنها سجن المؤمن بالنسبة لما أعده اللّه تعالى له في الآخرة من النعيم المقيم فكل ما أعطاه له في هذه الدنيا من النعم لا يعد شيئا بجانبه على أن ما يصيبه فيها من البلاء يكون مكفرا لذنوبه كي يلقى ربه وليس عليه ذنب يستوجب المجازاة وهذا لطف من اللّه بعباده المؤمنين، وكذلك الكافر فإن الدنيا له جنة بالنسبة لما أعده له من العذاب الأليم في الآخرة، فكل ما يصيبه في الدنيا من النعيم لا يوازيه عذاب ثانية واحدة من عذابها وأن ما يناله من الخير فيها فهو بمقابل حسناته التي يعملها كصلة رحم وإقراء ضيف وشبههما كي يلقى اللّه تعالى.وليس له حسنة تستحق الجزاء الحسن وهذا زيادة في شؤمه وعذابه {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ} زيادة من عمل صالح.{فَضْلَهُ} جزاءه لا يبخس منه شيئا أبدا، قال أبو العالية من كثرت طاعاته في الدنيا زادت حسناته ودرجاته في الجنة لأن الدرجات تكون على قدر الأعمال، وقال ابن مسعود: من عمل سيئة كتبت عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها بالدنيا أخذ من حسناته العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول ابن مسعود ملك من غلبت آحاده أعشاره.فعلى العاقل أن يكثر من الخير إبان شبابه وسعته، لأنه قد يعجز في الكبر والفقر عن القيام بما يريده من القربات، ولهذا قال الحافظ:{وَإِنْ تَوَلَّوْا} تتولوا وتعرضوا عن ما جئتكم به من الهدى وأسديت لكم من النصح والتوجيه والإرشاد {فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ} بمقتضى الشفقة والرحمة أن يحيط بكم {عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 3} هو يوم الجزاء على الأعمال يوم مهول لا أعظم منه.واعلم أن كل عمل منعم عليه في الآخرة منعم على صاحبه في الدنيا أيضا بتزيين عمله في نظره وراحة ضميره إليه وتعلقه برضاء ربه، ورجاء ثوابه عليه، واطمئنان نفسه فيه، وانشراح قلبه له، وثناء الناس عليه، وترغيب الغير لمثله، وضرب المثل فيه بالخير والسماحة والعمل الطيب والفعل الحسن، كما أن كل عمل معذب عليه في الآخرة معذب ضمير صاحبه عليه في الدنيا بقبح صورته في نظره وسوء تصوّر عمله في قلبه، وإن كان ذاق لذته الظاهرة الزائلة بحينها وضيق صدره لما وقع بعد قضاء شهوته الحيوانية وتخوفه من سوء عاقبته إن كان له وجدان أو دين، وندمه على ما فرط منه وحسرته على تفريطه، وذم الناس له وتحذيرهم من عمله، وضرب مثل السوء به. .مطلب كل ما ينعم عليه العبد في الدنيا ينعم عليه في الآخرة وبالعكس: روى الإمام أحمد بن حنبل والدارمي رحمهما اللّه بإسناد حسن في سنديهما عن وابصة بن معبد رضي اللّه عنه دفين الرقة من أعمال دير الزور- سابقا-، قال أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم (وهذا من الإخبار بالغيب لأنه صلى اللّه عليه وسلم أخبره بما جاء يسأل عنه قبل أن يبديه له) قال استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك بالفاء وفي رواية بالقاف- فعلى الأول من الفتيا وهي الجواز والرخصة والثاني من الإقتاء وهو الإرضاء، أي وإن أرضوك فلا تركن لقولهم.وروى مسلم عن النواس بن سمعان رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: البرّ حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس.وروى الترمذي والنسائي عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وريحانته رضي اللّه عنهما قال حفظت من رسول اللّه: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.وروى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال صلى اللّه عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. قال تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} أيها الناس بعد الموت {جميعا} بركم وفاجركم {وَهُوَ} الذي أحياكم في الدنيا وأماتكم فيها ويحييكم ثانيا يوم القيامة ذلك الإله الواحد المتجلي في الآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق هو {عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 4} لا يعجزه شيء {أَلا إِنَّهُمْ} أولئك الكفرة عند سماع آيات اللّه المنزلة عليك يا أكمل الرسل من ربك الملك الجبار القهار العلام {يَثْنُونَ} يلوون ويعطفون ويصرفون عنك {صُدُورَهُمْ} يزوّرونها عن رؤيتك وينحرفون بكليتهم عنك ويخفون ما فيها من عداوتك، يقال أزوّر عنه وثنى عنه لأن من يقبل على الشيء يقبل بصدره، ومن يدبر يزوّر وينحرف بصدره ويطوي كشحه، وهذه الآية في معرض الجواب عما تقدم من الترغيب والترهيب فكأن أولئك الكفرة بعد ما سمعوا من حضرة الرسول ذلك القول العظيم الإلهي الذي تخر له صم الجبال تمادوا في كفرهم وأصروا على ضلالهم ودارموا على إعراضهم المشار إليه بقوله: {فإن تولوا} الجملة المارة في الآية 3، وإنما خص الصدور بالازورار لأن ما فيها مكتوم، فكأنهم يظهرون له خلاف ما يبطنون، يدل عليه قوله تعالى: {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} صلى اللّه عليه وسلم واللّه لا تخفى عليه خافية فإنه جلت عظمته يخبر نبيّه بما يقع منهم ظاهرا وباطنا {أَلا} تنبيه ثان لما بعده بأنه شيء يهتم له ويجب الاعتناء به، وهو أن اللّه يعلم كل ما يقع منهم حتى أنهم {حِينَ} وقت وزمن {يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ} فيه فيغطون بها رءوسهم كراهية رؤية من تخطب رؤيته صلى اللّه عليه وسلم وكراهية سماع قوله الذي يشتاق إليه الجماد لا لأمر آخر، قاتلهم اللّه، فإنه تعالى يعلم قبل وقوعه منهم بأنهم فاعلوه وهؤلاء مثلهم مثل قوم نوح عليه السلام إذ أخبر اللّه عنهم حينما يتكلم معهم نوح عليه السلام بقوله: {جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ} لئلا يسمعوا كلامه {وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ} لئلا يروه كما سيأتي في الآية 7 من سورته الآتية تشابهت قلوبهم، أخزاهم اللّه الذي {يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ} في أنفسهم {وَما يُعْلِنُونَ} من كلامهم كما هو عالم من قبل ما يقع منهم سرا وجهرا قبل وقوعه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ 5} بما فيها من الأسرار المستكنة فكيف يخفى عليه حال هؤلاء؟! وفي هذه الآية دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها بل قبل وجودها الخارجي وهو مما لا ينكره أحد إلا بعض المعتزلة القائلين بأنه تعالى يعلم الأشياء بعد حدوثها، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا، لما فيه من تشبيهه بخلقه، لأن العلم بالشيء بعد حدوثه يعلمه بعض خلقه فلا مزية فيه، وهذا كقول بعضهم إن الإسراء وقع مناما لأنه قد يقع لبعض خلقه من غير نكير، قال ابن عباس نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق وكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر، وكان يلقى رسول اللّه بما يحب ويطوي بقلبه عليه ما يكره، وما قيل إنها نزلت في بعض المنافقين الذين كانوا يلقونه صلى اللّه عليه وسلم بوجه منطلق ويبطنون له غير ذلك لا يتجه، لأن هذه السورة مكية والآية كذلك، والنفاق إنما ظهر في المدينة وهم فيها لا شك يقع منهم ذلك وأكثر، ولذلك سموا منافقين وهذه الآية تنطبق عليهم، إلا أنها لم تنزل بحقهم، اللهم إلا إذا كان هذا من قبيل الإخبار بالغيب عن شيء لم يقع، لعلمه تعالى بوقوعه فيما بعد، فيكون جائزا، ومثله كثير في القرآن، لأنه من جملة معجزاته صلى اللّه عليه وسلم ومعجزات القرآن العظيم، وهو من قبيل ما تأخر حكمه عن نزوله، راجع أول سورة الطارق المارة، قال تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ} اسم لكل حيوان دب على وجه الأرض أي مشى عليها، ويطلق على ذوات الأربع عرفا، والمراد هنا ما هو عام للإنسان وغيره {إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} تفضلا منه وتكرما لا واجبا {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها} وبقاءها في عالم الشهادة، ومقدار ثباتها فيه وانفكاكها عنه، ومكامنها ومساكنها، ومحل وكرها الذي تأوي إليه في الأرض والبحار والجبال والهواء وغيرها، {وَمُسْتَوْدَعَها} قبل خروجها إلى عالم الظهور وقبل استقرارها في الأصلاب والأرحام والبيوض وغيرها، وبعد انعدامها من المحلات التي تدفن فيها أو تضمحل بها، وما قيل إن تفسير المستودع بهذا لا يلائم تكفل اللّه بأرزاقها إذ لا مجال له ولا حاجة للرزق فيه مردود، لأن المراد بالتكفل مدة بقائها في برزخ المادة واحتياجها للرزق، فتنتهي مدته بالأجل المقدر لكل دابة، فكأنه قيل إن اللّه تعالى متكفل برزق كل دابة، ويعلم مكانها أول ما تحتاج إلى الرزق ومكانها آخر ما تحتاج إليه.
|